رئيس التحرير : مشعل العريفي
 تركي الدخيل
تركي الدخيل

تيريزا ماي تُعيد ثاتشر للخليج!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

حين احتل صدام الكويت٬ كانت العيون تتجه نحو المواقف الدوليّة من هذا الاجتياح. التعويل كان على موقف أميركي٬ ودار جدل طويل في أروقة الجامعة العربية بعد الاستعانة بالقوى الدوليّة الصديقة٬ يذكر للتاريخ موقف رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر... وعدت الملك فهد بالمساعدة في تحرير الكويت٬ وساهمت بفعالية في إقناع الولايات المتحدة بخوض الحرب.. كان ذلك الدخول الإيجابي الأبرز للقوة البريطانية بمنطقة الخليج منذ عقود.
في قمة الصخير الخليجية الأخيرة بالبحرين عاد الوهج البريطاني في المنطقة بعد طول ركود... تيريزا ماي٬ رئيسة الوزراء تؤكد في تصريحا ٍت استثنائية وتاريخية٬ مشاركة دول الخليج مخاطر التهديدات الإيرانية٬ وتعتبر أمن الخليج من أمن بريطانيا٬ ورغم محاولة البعض نقض هذه التصريحات٬ بسبب شرر كلاٍم تطاير من وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون٬ غير أنه سرعان ما اعتمد نفس لغة رئيسة الوزراء في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: «إن العلاقة بين السعودية وبريطانيا لا تقتصر على التجارة والأمن٬ بل تتعدى ذلك إلى علاقة بين شعبين منذ 100 عام٬ التهديد الإيراني في المنطقة يقلق بريطانيا كما يقلق السعودية٬ نحن قلقون من استهداف السعودية بصواريخ باليستية مصدرها اليمن».

امتازت العلاقات الخليجية ­ البريطانية بقوتها وعمقها وثباتها٬ ساهمت بريطانيا في بناء وتأسيس الشكل المدني الانتقالي لدول الخليج من مرحلة ما قبل الدولة إلى مرحلة والمسار السياسي غدا ناضجا يضمن للدول الاستقرار والرخاء لسنين الدولة حتى بداية السبعينات٬ حين قامت دول الخليج على أرجلها٬ وبات النفط مغدقًا على شعوبها٬ طوال٬ وبقي التعاون بين الخليج بكل دوله وبريطانيا قائ ًما على كل المستويات٬ بدليل التعاون العسكري الذي لم ينقطع منذ بدايات تأسيس الدول وحتى الآن.
قد تكون بريطانيا تأثرت شيئا ما٬ بالضعف الأميركي الأوبامي٬ وسياسته في الانحسار من المنطقة٬ لكن المصالح عادت للالتقاء بقوة في عهد تيريزا ماي٬ فبريطانيا بحاجة إلى شريك اقتصادي موثوق٬ لتعوض به آثار غياب الشريك الأوروبي بعد خروجها منه. ودول الخليج هي الأنسب والأمثل لهذا الدور.
مع اختلاف النمطين والإرثين بين ثاتشر وتيريزا ماي٬ إلا أن النبرة السياسية العائدة إلى الخليج بما يشبه «الأوبة» بعد صدوٍد وبرود٬ وحضور تصريحات لافتة مثل: مستعدون للتعاون المشترك لمواجهة إيران في سوريا واليمن والخليج٬ و«رؤية السعودية 2030 «مفيدة لنا جميعًا ولدينا طمو ٌح بعلاقات تجارية قوية مع الخليج٬ نحقّق تقدًما كبيرا في الحرب ضدّ «داعش»٬ وسنلاحق أشكال الإرهاب كافة التي تهدّد استقرار المنطقة٬ واستقرار منطقة الخليج هو استقرا ٌر للعالم بأكمله٬ وأكثر من 3 مليارات إسترليني سننفقها في الخليج والعالم لمواجهة التحديات. السعودية ساعدت بريطانيا... وقدّمت لها معلومات استخباراتية أنقذت حياة آلاف الأشخاص٬» الأمن الخليجي أمننا أيضا»٬ نعم؛ نحن هنا للتواصل مع حلفاء جدّد٬ وأود أن يكون هناك فص ٌل جديدٌ للتعاون الاستراتيجي بين شعوبنا!
رد فعل إيران على تلك التصريحات كان ناريا٬ إذ أعلنت عن إمكانية سيطرتها على مياه الخليج٬ وهددت بإغلاق المضايق٬ وتوعدت بردود فعل قاسية ضد بريطانيا ودول الخليج! من يتابع يرى التحديات المشتركة للجانبين البريطاني والخليجي٬ على المستوى الاقتصادي تحتاج بريطانيا إلى زيادة التبادل التجاري مع الخليج٬ بعد أن فقدت جل نفوذها بالهند٬ مما يشرح أسباب التوجه البريطاني الأخير للهند٬ وكذلك المستوى الأمني بعد تدفق اللاجئين الذين يندس بينهم عادة من يضمر العنف كما حدث بألمانيا٬ وتجارب الخليج مع الإرهاب أكثر نضجا من تجارب الأوروبيين معه٬ وذلك لاعتبارات جغرافية وثقافية٬ تجعل الدول أكثر فهًما للإرهاب٬ وصرعاته٬ ومستجداته٬ وأقدر على جمع المعلومات٬ وفحص الأخطار٬ ورصد التهديدات. بإيران وميليشياتها المسلحة الممتدة والمتكاثرة في
هذه العودة البريطانية تشجع على صنع تحالفات أقوى لمواجهة التطرف السني ممثلاً بـ«داعش»٬ والتطرف الشيعي ممثلاً في ايران وميليشياتها المسلحة الممتدة في الأراضي العربية. قالتها تيريزا ماي: «إن قمنا بالعمل سوية٬ فإنه سيكون لدينا فرصة غير مسبوقة في إظهار أننا متفهمون لحجم التغيير الذي تحتاجه الشعوب».
نقلا عن "الشرق الأوسط"

arrow up